لن أجد أفضل من محمد على باشا لأكتب عنه في المدونة، لذلك سألخص هذا الكتاب.
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد على
مؤسس مصر الحديثة
تأليف: هنري دوديول الأستاذ بجامعة لندن
تعريب: احمد محمد عبد الخالق بك و علي احمد شكري
تقديم: محمد عفيفي
جهة الإصدار: المركز القومي للترجمة
الكتاب اصدر أول مرة عام ١٩٣١ تحت عنوان The Founder of Modern Egypt: A Study of Muhammed Ali
الفصل الأول: محمد علي وارتفاع شانه
ذاقت مصر الويلات تحت الحكم التركي ولم تكن مقربة إلى الإمبراطورية منذ الفتح العثماني في عهد سليم؛ فكانت مصر متروكه للماليك غنيمة وقد أقام المماليك أنصع البراهين علي نذالتهم وجبنهم، وكانت الآستانة تعين أحد الباشوات لإدارة الأمور ولكن هذا الباشا لم يكن سوي حاكما بالاسم فقط والحكام الفعليين كانوا البيكوات رؤساء المماليك، وكان البيكوات ينتزعون الخراج من مصر كلها وينفقون علي شراء بنات الرقيق والجياد العربية وتزيين القصور، وقد غاضت موارد مصر تحت حكم هؤلاء المحاربين الهمج السخفاء فأصبحت الإسكندرية مدينة صغيرة لا يزيد عد سكانها عن ٥٠٠٠ نسمة بعدما كانت ميناء عظيم والترع أصبحت مسدودة بسبب الإهمال و الصحراء طغت علي المدن، وكثيرا ما شن البدو الغارات علي الجهات المسكونة.
في أوئل سنة ١٧٨٥توصل أحد المندوبين الفرنسيين توقيع عدة أتفاقات مع البيكوات ومع أحد زعماء البدو علي نقل البضائع الفرنسية في أمان ولكن الآستانة رفضت المعاهدة، وبسبب الثورة الفرنسية انصرف بال الفرنسيين عن مصر.
ولكن سرعان ما عاد الاهتمام الفرنسي وفي شتاء ١٧٩٧ و ١٧٩٨ تم تجهيز حملة عسكرية وإرسالها إلى الشرق، وفي ١٨ يوليه أنزل نابليون بالمماليك هزيمة ماحقة في معركة الأهرام، ثم دخل العاصمة يوم ٢٤ يوليه، وقام نابليون بإنشاء حكومة وأرضى الزعماء الدينين وقمع الفتن، ولكنة كان بالنسبة للفرنسيين كمن يحرث أرضاً مجدبة بحاجة إلى الماء. وقد حاول أن يشق لنفسة مخرج عن طريق سوريا ولكن سفن أغداؤه كانت قد نقلت المؤن إلى عكا فتم القضاء علي الفرنسين فعاد نابليون إلى فرنسا يوم ٢٢ أغسطس سنة ١٧٩٩ تاركا كليبر في القيادة فلما سمع كليبر باقتراب القوات التركية شرع في مفاوضة السير سيدني سمث الذي كان يدافع عن عكا، وفي ٢٤ يناير سنة ١٨٠٠ عقد أتفاق العريش الذي نص علي جلاء الجنود الفرنسيين عن الأراضي المصرية، ولكن الاحتلال الفرنسي لم يكن بلا نتائج فقد زعزع حكم المماليك وكشف عن عجز تركيا و اظهر مدى أهمية مصر للإنجليز فهي تقع في وَسْط الطريق بين الشرق والغرب، ثم تشاء الأقدار بأن يأتي إلى مصر أحد المجازفين وهو محمد علي.
ولد محمد علي سنة ١٧٦٩ في دار صغيرة في أحد الشوارع المهجورة في قولة، ولا يعرف عن أصل محمد علي إلا القليل هناك من يقول أنه تركي بسبب قوة بنيته ومتانة أخلاقه، وهناك من يقول أن أصله فارسي بسبب ذكائه المرن وسعة حيلته.
كان أبوة إبراهيم اغا قومندان فصيلة محلية من الجنود غير النظامية، وقد توفي وترك ابنه في حضانة الوالي، فربي تربية صارمة، فكان الطعام يقدم له في أوقات معينة و يلبس ما يختار له من الملابس ويؤدى الصلاة في أوقاتها، ودرب علي ركوب الخيل وحمل السلاح، وفي الشباب خرج لمطاردة العصابات وتحصيل الخراج، ولما بلغ الثامنة عشر زوجه الوالي من أحدي قريباته فاستولدها خمس من الأولاد الذكور، وقد تاجر محمد علي في التبغ ولكن لا احد يعلم إلى أي مدى توسع محمد علي في تجارته.
وما يعرف بصورة قاطعة عنه أنه كان يذكر حياته الماضية بالحنان المصحوب بالأسف، وقد عاد محمد علي في أخر أيامه لزيارة مسقط راسه وصرف نفقات احدي مدارس قولة.
قدم محمد علي إلى مصر بعدما اضطرت الآستانة تحت ضغط إنجلترا لحشد الجنود وإرسالها إلى مصر لطرد الفرنسيون فطلب من والي قولة تجهيز ٣٠٠ محارب فجمعت الفصيلة تحت قيادة علي اغا ورسل محمد علي كمساعد له.
منزل محمد علي باشا في قولة
ولم يحل عام ١٨٠١ حتي أصبح محمد علي أحد الضباط الكبيرين المتوليين قيادة الفصيلة الألبانية وقد تعاونت هذه الفصيلة مع الحملة الإنجليزية في طرد االفرنسين.
وقبل رحيل الإنجليز كون محمد علي صداقات قوية مع بعض القناصل الإنجليز، و بعد رحيل الإنجليز أصبحت الساحة خالية للصراع من اجل السيطرة علي مصر فقد تصارعا الأتراك والمماليك علي السلطة.
والأمر كان أعقد من هذا فكان حزب الأتراك ينقسم إلى قسم يأتمر بأوامر خسرو باشا المعين من قبل السلطان وقسم الألبانيين يأتمر بأوامر محمد علي وزعيمهم طاهر باشا، وأنقسم المماليك شطرين أحدهم يناصر البرديسي والأخر يناصر الألفي.
وخسرو باشا أول من اختفي من الساحة فقد قام طاهر باشا بمهاجم القلعة واعتلاء مكان خسرو باشا بسبب عدم مكافأته المكافأة التي وعد بها وهذا حدث سنة ١٨٠٣ وبعد هذا قُتِل طاهر باشا ولكن لم يترتب علي مصرعه شئ فسرعان ما تولي محمد علي مكانه، وسرعان ما اشترك الألبانيون والمماليك في ملاحقة خسرو بدمياط وأنزلوا الهزيمة به.
وما كادت أنباء الهزيمة تصل الآستانة حتي ارسلوا حاكم آخر يدعي على باشا علي راس ١٥٠٠ جندي فوصل الإسكندرية واحتلها وفي أوائل ١٨٠٤ زحف ناحية القاهرة متوقعا أن يسانده الألبانيين ولكن محمد علي لم يحرك ساكناً فوقع علي باشا في يد البرديسي فأمر بإعدامه.
وإذ ذاك تم تعين باشا جديد ثالث وهو خورشد باشا وكانت العَلاقة بين محمد علي والمماليك بدأت تفتر فأظهر ميله لمساعدة خورشيد باشا وأرسل له انه بمجرد أن يستلم المرتبات الثمانية السالفة من المماليك سوف يعود لحظيرة السلطان، وفي فبراير ١٨٠٤ هب حزب البرديسي بتشجيع من محمد علي على مهاجمة حزب الألفي ونهب ديارهم.
وفي ١ مارس أغار الألبانيون علي البيكوات فسلمت القلعة وأعلن محمد علي خورشد باشا واليا علي مصر ومنذ ذلك الحين لم يعد خورشيد باشا يستطيع الاستغناء عن محمد على، وبدا محمد على بتكوين الصداقات بينة وبين العلماء في القاهرة وأكد لهم أنه لو كان الحاكم لأدار دفة الحكم بالعدل ولسمع نصائحهم علي ظهر ما كان يفعله خورشيد باشا من احتجاز وترهيب رجال الدين كضمانة في يده.
وقام خورشيد باشا بطلب أمدادات وبمجرد وصل هذه الإمدادات المدن اعتدوا علي النساء وقتلهم واختطفوا الأطفال فاستولي الزعر علي القاهرة ولم يخرج احد من داره إلا وكان يحمل روحه علي كفيه.
وكان محمد على وقت وصول الإمدادات يغزو المماليك ومشتغلا بتشتيتهم ولكنة عاد في عجل علي رأس ٤٠٠٠ جندي بحجه المطالبة بالمرتبات فقام خورشيد بإعطاء جُدَّة وكانت هذه إشارة إلى أن محمد علي لم يعد مرغوبا به في مصر ولكن عندما كان خورشيد يتأهب للعودة لمنزلة أحاط به بعض الجنود الألبانيين وهدد بالقتل إذا لم يدفع مرتباتهم وفي نفس الوقت خرج الشعب للمطالبه بمحمد علي واليا علي مصر وقتلوا كل من يجدون من رجال خورشيد، في النهاية أرسلت الآستانة أمرا بتولية مصر للأصلح وبعد تقيم الرسول تم إعلان محمد علي واليا علي مصر وهذا ما أرادة محمد علي أراد أن يحصل علي الحكم من الآستانة وفي نفس الوقت بدعمِ من الشعب.
وفي ليلة ٢٠- ٢١ سنة ١٨٠٧ احتل الإنجليز الإسكندرية وسرعان ما دعو حزب الألفي بك لشد أزرهم وقد أختلت الإسكندرية بسهولة لأنها في هذا الوقت لم تكن إلا تحت سلطة محمد علي الاسمية، وفي ٢٩ مارس خرجت فصيلة إنجليزية قوامها ١٤٠٠ جندي لاحتلال رشيد ولكنهم فشلوا، وقد تمكن محمد علي أن يحشد جند ويرسلهم رشيد لصد محاولة للإنجليز لاحتلالها ونجح محمد علي بعد سقوط ٤٠٠ من الإنجليز وأسر مثلهم، ولو أن شخصا تركيا هو الذي أنتصر لقتل أسراه أو أمر بخصيهم وإلقائهم في اليم ولكن محمد علي لم يفعل ذلك وأمر بمعاملة الأسرى معامله حسنة وأرسل أحدهم في شهر مايو للإسكندرية لبحث شروط انسحاب الإنجليز وقد وعد أن يخلّى سبيل الأسري وأن يصمد لأي قوة أوروبيه تحاول السيطرة علي مصر، وفي ربيع ١٨٠٧ رحل الإنجليز عن الإسكندرية.
محمد علي سنة ١٨١٣
عقٌَد محمد علي أن يشق لنفسه طريق وَسْط كل المساوئ الموجود في مصر، فقرر إجراء تحقيق في مسألة ملكية الاطيان سنة ١٨٠٨ فأمر بأن تفحص كافة الهبات التي يزعم الملتزمون لأنفسهم الحق فيها؛ فقضي بإلغاء ملكيه الأراضي التي تأخر سداد ضرائبها عدة سنوات وعوض أصحابها بمعاشات معينة وبعد ذلك بست سنوات ألغي الحصانة التي كانت تتمتع بها الأوقاف وأمر بمسح الأراضي وقد سهل هذا مسالة توزيع الأراضي.
وفي ١٨١٤ أمر محمد علي بتجريد باقي الملتزمين من ممتلكاتهم وهذه الإجراءات كانت بغيضة في أعين من أيده ولكن كان لأبد منها فقد كانت ثلثي الأراضي بورا، وأمر محمد علي باشا الفلاحين بالبدء في حرث الأرض مع فرض أصرم الجزاء علي من يتهاون في عملة، وادت هذه التصرفات لتوطيد الخزانة الأميرية في القاهرة ومن ثم قل الخطر الناشئ عن جيش الباشا بسبب عدم دفع المرتبات.
وفي نفس الوقت صمم الباشا علي إذلال المماليك والقضاء علي خطرهم نهائيا ولذلك وجه اهتمامه لحملهم علي العودة للقاهرة ليعيشوا فيها تحت حمايته، وأخيرا قبلَ البيكوات سنة ١٨٠٩ المجئ إلى الجيزة وكانوا علي أستعداد للحرب أكثر من السلم وظلت جموعهم تواجه محمد علي ولكنه انتصر عليهم وفي أوائل سنة ١٨١٦ أعلن أغلب من بقي من المماليك علي قيد الحياة خضوعة.
ولكن محمد علي أصر علي أن يبيد كل هؤلاء الطغاة واستغل لهذا تقرير إقامة مهرجان عظيم في أول مارس للاحتفال بابنة بمناسبة تعينه باشا جُدَّة ودعا جميع كبراء المماليك وسألهم أن يأتوا بكل من شأوا من الموالي والأتباع وبالفعل أنطلت عليهم الحيلة، وبمجرد وصول المماليك أمر الباشا بإغلاق الأبواب والإطاحة بهم ويقال انه لم ينجوا من هذه المذبحة إلا شخص واحد.
مذبحة المماليك للرسام الفرنسي هوراس فيرنيه
وبعد هذا قام الجنود بشن الغارات علي قصور المماليك ونهبها، وقام محمد علي باشا بمطاردة من بقي من المماليك مدة اشهر وأرسل اليهم قوة علي رأسها إبراهيم باشا فسلم له٨٠٠ من المماليك ونحو ٢٠٠٠ من مواليهم فأرسلهم فورا للإعدام.
Comments
Post a Comment