تأمين إصابات العمل
تاريخ تشريعات القانون المتعلقة بإصابات العمل:
عام 1936 صدر القانون رقم 64 وهو أول القوانين المتعلقة بالحماية من أثار الإصابة التي تحدث للعمال، ولكن القانون 64 لم يجعل التأمين جبرا وإنما كان اختياريا، وبعد هذا القانون صدر قانون 86 لسنة 1942 وألزم بالتأمين على العمال من مخاطر العمل وفي عام 1959 صدر قانون 92 وتم الأخذ بنظام التأمينات الاجتماعية فيه، ومن ثم اصدر قانون 63 لعام 1964، واستقر المشرع على القانون رقم 79 لعام 1975 حتى الآن.
ماهية إصابة العمل:
نظمت المادة 5 من قانون التأمين الاجتماعي تعريف إصابات العمل فنصت على:
"الإصابة بأحد الأمراض المهنية المبينة بالجدول رقم 1 المرافق أو الإصابة نتيجة حادث وقع أثناء تأدية العمل أو بسببه، وتعتبر الإصابة الناتجة عن الإجهاد أو الإرهاق من العمل إصابة عمل متى توافرت فيها الشروط والقواعد التي يصدر بها قرار من وزير التأمينات بالاتفاق مع وزير الصحة، ويعتبر في حكم ذلك كل حادث يقع للمؤمن عليه خلال مدّة ذهابه لمباشرة عمله أو عودته منه؛ بشرط أن يكون الذَّهاب أو الإياب دون توقف أو تخلف عن الطريق الطبيعي."
وبهذا تكن إصابة العمل الذي تعرض لها القانون هي: حادث يقع وقت العمل، وحوادث الطرق المعتادة للذهاب والإياب للعمل، والأمراض التي تتعلق بطبيعة العمل، والجهد والإرهاق المتعلق بالعمل.
أولا: إصابات العمل:
محكمة النقض عرفت حادث العمل بأنه حادث يحدث مفاجأتا دون عن إرادة الضحية، ويحدث بجسد العامل ضررا بدنيا. ويتضح هنا أن الحادث شروطه: خروجه عن إرادة العامل، وحدوثه عن طريق عامل خارجي، وإحداث ضرر بدني للعامل. و بالضرورة أن يقع وقت العمل.
أ- عدو توافر الإرادة من قبل العامل:
أي إن الحادث يجب أن يحدث بشكل سريع بحيث لا يملك العامل سبل تفاديه مثل أن ينفجر المولد أو تنهار الأله عليه أو يسقط من فوق السقالة وهكذا أمور. أما إذا حدث الحادث علي مرحلة زمنية أو بشكل بطيء مثل أن يفقد العامل بصرة نتيجة عمله في اللحام أو سمعه نتيجة عملة في النجارة فهذه ليس إصابات عمل لأنها حدثت علي منحني زمني طويل. وأيضا في ما يخص التعويض لأنه ليس ملزم بمدة فمثلا لو كسرت ساق العامل وبعد أربع أعوام احتاج إلى عملية تقويم فيه يحسب الثمن الخاص بالعملية على التأمين.
أما الإصابات مثل العدوي فإنها تعتبر إصابة عمل مثل الإصابة بنقص بالتيفود أو حي مرض منقول نتيجة لدغة بعوضه فإنه يعتبر حادث عمل لتوفر المفاجئة فيه.
ب- حدوثه عن طريق عامل خارجي:
الإصابة لا تعتبر إصابة عمل لو حدثت لسبب داخلي في جسد العامل مثل أن يأخذ دواء في عيادة المصنع عنده حساسيه منه فتحدث له مضاعف؛ وعلى هذا رفضت محكمة النقض اعتبار أمراض القلب والمرض النفسي وإيذاء النفس وبعض الأمراض على نفس الشاكلة أمراض عمل لأن سببها يرجع لإرادة وداخل نفس العامل وجسده لا العمل بحد ذاته، وهذا الأمر أدى لانعدام الاعتبارات الإنسانية لأن كثيرا من تلك الأمراض تحدث نتيجة العمل.
ج- ضرر بدني للعامل نتيجة الحادث:
مثل أن تكسر قدمه أو أي ضرر أخر ويجب أن يكون ضررا ماديا جسديا فلا تعويض للضرر الأدبي ويتم التعويض فقط الضرر البدني، ولا يشترط جسامة الإصابة ويكتفي بالتأثير على بدنه أو أعصابه أو عقلة ونفسيته.
د- الشرط الأخير هو حدوث الحادثة وقت وبسبب العمل:
القضاء قد توسع في هذا المفهوم فلم يعتبر وقت العمل هو ساعات العمل المحددة وإنما اعتبر الحادث الذي يحدث وقت العمل ولو في غير وقته حادث عمل مادام كان العمل المؤدي في مصلحة صاحب العمل، وأيضا عدّ الحادث الواقع خارج مكان العمل حادث عمل إذا كان لمصلحة العمل وبناء على طلب صاحب العمل سواء كان الطلب ضمني أو صريح. وعلى هذا التوضيح الحادث الذي يحدث وقت العمل يحصل على أثره الضحية تعويض دون الإلزام بثبوت الحالات وأيضا لا يجوز نفيها؛ فكل الحوادث التي تحدث في العمل تعتبر حوادث عمل مادام العامل لم يتدخل في إحداث الحادث، ولو انعدمت الصفة وهي أن الحادث حادث عمل لا يلزم بتعويض مثل أن تحدث حادثة وهو في رحلة للبحر.
أما تسبب العمل في الحادث فهو أن يكون العمل هو العامل الأساسي له وإثبات العِلاقة بين العمل والحادث تقع على العامل، مثل شجار العمال نتيجة خلافات بسبب العمل، ولو انعدمت السببية بين العمل والحادث لا يعدّ الحادث حادث عمل.
حالات لا يعوض فيها العامل:
المادة 68 تأمين نصت على أنه العامل لا يعوض في تلك الحالات وهي "إحداثه الإصابة بنفسه، أو حدوث الحادث لفحش منه مثل عمله تحت تأثير المخدرات ومخالفته تعليمات الأمان المتعارفة والموضوعة في مكان العمل بشرط ظهورها، وعدم التأمين يكن في حالة عدم موته أو حدوث عجز يصاحبه مدى الحياة عجز نسبته 25 % من العجز الكامل."
ثانيا: حوادث الذَّهاب والإياب للعمل:
تنص المادة 5/ه من قانون التأمينات على:
"كل حادث يقع للمؤمن عليه خلال مدّة ذهابه لمباشرة عمله أو عودته منه بشرط أن يكون الذَّهاب والإياب دون توقف أو تخلف أو انحراف عن الطريق الطبيعي."
وعلى هذه المادة يتضح أنه لاعتبار حوادث الطرق حوادث عمل تغطى بالتأمين لابد من توافر عدة شروط وهي: أن يقع الحادث علي طريق العامل المعتاد للعمل، وأن لا يكن هناك توقف أو انحراف عن الطريق المعتاد للعمل.
أ- وقوع الحادث علي الطريق المعتاد للعامل في ذهابه للعمل:
وطريق العمل هو الطريق الذي يغلب عليه الثبات ويبدأ من موطن العامل سواء الأصلي أو الثانوي، أو أن يكون الطريق بين مكان اعتاد العامل الجلوس فيه وبين العمل مثل المطعم الذي يتناول فيه الإفطار قبل العمل، أي إن الطريق المعتاد والطبيعي هو أيسرها وأقصرها مسافة.
ب- عدم توقف أو انحراف العامل على الطريق:
فلا يعدّ الحادث حادث عمل لو ذهب العامل لأداء أمر آخر أو توقف للذهاب للمقهى ومقابلة قريب أو صديق أو حتي لمجرد توفقه لفترة ملحوظة وبقائه على نفس الطريق المعتاد.
ثالثا: الأمراض المهنية:
وهي الأمراض التي تكن متعلقة بطبيعة العمل مثل أن يتعرض العامل لإشعاعات ضارة أو نفايات سامة أو عملة في المحاجر فكل هذه الأعمال قد تؤدي إلى العديد من الأمراض بسبب طبيعتها الخطرة، والمرض المهني هو عكس حوادث العمل فالمرض المهني يظهر من داخل البدن بصورة تدريجيه قد تصل لسنوات طويلة على عكس الحوادث فهي تحدث بسرعة وبدون توقع. والأمراض المهنية لا يعوض عنها إلا إذا كانت من الأمراض المحصورة في قانون التأمينات.
والأمراض المهنية لها شروط حتى تستحق التأمين وهي: ورود المرض في ملحق التأمينات، ويمكن لوزير التأمينات إدخال أمراض جديدة في الجدول إذا استدعت الحاجة والحكمة. وأن يكون هناك ترابط بين المرض وطبيعة العمل الجوهرية، فقد حصرت الأعمال والأمراض التي يصاب بها العمال بناء على اشتغالهم بتلك الأعمال، وعند تخلف أي من الشروط لا يغطي التأمين التعويضات، حتى لو حدث المرض فجأة بسبب العمل ولكن لم يتم حصره في الجدول الملحق بالتأمينات العامل لا يستحق التغطية التأمينية، وهناك شرط ثالث قد يضاف وهو اشتراط أن تظهر أعراض المرض وقت العمل أو في خلال عام من ترك العامل العمل.
بعض الأمراض المحصورة في قانون التأمينات
- التسمم بالأونتيومين وهذا التسمم يحدث نتيجة العمل في أي عمل يتداول تلك المادة ويحتوي مناخ العمل على أي مشتقاته.
- التسمم بالفسفور وهذا التسمم يحدث في الأعمال التي تستخدم الفسفور ومشتقاته سواء التعرض لأبخرته أو غباره.
- الأمراض والأعراض الباثولوجية التي تحدث بسبب التعرض للراديوم أو أشعة اكس.
- سرطان الجلد الأولي وهذا نتيجة الأعمال التي يتعرض له المشتغلين بالقطران أو الزفت أو البيتومين.
- الجمرة الخبيثة ويصاب بهذا المرض نتيجة التعرض لأي فضلات أو منتجات الحيوانات المصابة بالمرض أو الحيوانات المصابة نفسها.
- مرض الدرن ويحدث نتيجة العمل في مستشفيات وأماكن علاجه.
رابعا: الإرهاق والإجهاد بسبب العمل:
نصت المادة 5/ه على: "الإرهاق والإجهاد من العمل إصابة عمل متى توافرت فيه الشروط والقواعد التي يصدر بها قرار من وزير التأمينات بالاتفاق مع وزير الصحة". وقد اشترط المشرع على سبيل الحصر بعض الشروط لاعتبار الإرهاق والإجهاد من أسباب العمل وهي أن يكن سن المصاب لم يتجاوز الستين ويتوافر فيه:
- حدوث الإرهاق والإجهاد نتيجة المجهود الإضافي الذي يتجاوز الحد المطلوب في أوقات العمل أو بعد أوقات العمل.
- أن يكون الجهد الزائد عن الحد مكلف به من ناحية صاحب العمل أو المؤمن علي العامل، مثل أن يطلب من العامل عمل آخر لا عِلاقة له بعمله الأصلي وفي وقت محدد.
- أن يتم الكشف على المصاب وتحدد مُدَى قدرة المادة على إحداث الإرهاق.
- أن تظهر حدة الإرهاق والإجهاد.
- أن يصاب المؤمن علية بنزيف مخ أو سداد بالشريان التاجي.
- ألا يكن مرضه بسبب أنه كان مريضا في الماضي.
وإذا ثبتت هذه الشروط علي المؤمن الإخطار بحالة الإصابة في ما لا يزيد عن أسبوع من تاريخ الإصابة، وأن يحضر ما يثبت الشروط المسبقة وتقرير من صاحب العمل يتضمن المعلومات العامة عن المصاب المتعلقة بعملة، ويبين كل الأعمال التي كلفها للمصاب وإن كان قد أتمها وما أتم منه والمدد المتعلقة بها.
أن يحضر البيانات الطبية اللازمة للمصاب وفيها ما يرسم واقع حالته الصحية فيما سبق، وأن يحضر كل الأوراق الطبية الخاصة بحالته قبل الموت قاصدًا.
وعند ثبوت الحالة تلتزم الجهة المسئولة بالعلاج أو الالتزام بنفقات العلاج بتحديد توافر شروط الإصابة من عدمها، وتكون لجنة بقرار من رئيس مجلس الإدارة ويكون من أعضائها طبيبان من التأمين الصحي، ويمكن للجنة طلب الأوراق اللازمة للوصول إلى حكم في الموضوع وهذه اللجنة تنعقد كل أسبوع لنظر الحالات المختلفة، وإن أصدرت اللجنة قرارا في عكس مصلحة المصاب له حق التظلم ويظهر في التظلم من قبل لجنة التظلمات وهي تشبه في تشكيلها اللجنة الرئيسية، وإذا خلصت لجنة المنازعات إلي نفس القرار يكن للمصاب حق التظلم لوزير التأمينات في مدة ثلاثين يوما من إصدار القرار، وتشكيل لجنة مكونة من نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي للشئون الفنية و نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين و وكيل وزارة التأمينات وتقدر اللجنة الحالة، وللمريض بعد كل هذا حق التقاضي إن لم يرض بالنتيجة.
** قانون التأمينات يتبع مذهبا اقتصاديا صرفا في التأمين على تلك الأمور حيث أنه وضع قواعد وتعقيدات كبيرة لإثبات ارتباطها بالعمل خصوصا في ما يتعلق الإرهاق والإجهاد. هل غلاظة هذا المذهب ترجع إلى أنه هو الأنسب للحالة الاقتصادية في مصر وربما في المستقبل مع التحسينات الاقتصادية يعدل القانون ليصبح أكثر مرونة فالقانون هو تعبير عن حالة المجتمع في النهاية؟ أم أنه من الأفضل عمل قوانين تحمي حقوق العمال وتكن أكثر مرونة وذات وتيرة سيرها أسرع فتكن أكثر جذبا للاستثمار وزيادة للإنتاجية لرضا العامل عنها وشعوره بالأمان؟
قائمة المراجع
قانون العمل والتأمينات الاجتماعية، دكتور احمد شوقي عبدالرحمن دكتور، محمد السعيد رشدي، جامعة بنها، 2009
موسوعة شرح تشريعات قانون العمل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، دار إثراء، بنك المعرفة المصري
تأمين إصابات العمل، الجهاز المركزى المصرى للتنظيم والإدارة، 1987، دار المنظومة، بنك المعرفة المصري
التأمينات الاجتماعية، الأستاذ الدكتور ثروت عبدالحميد عبدالحليم، جامعة المنصور
Comments
Post a Comment